آخبار عاجل

الدول نتاج الأفكار .. بقلم: محمد مصطفى الخياط

28 - 04 - 2021 3:35 610

تنشر حاليًا جريدة الشرق الأوسط فصولاً من كتاب (دولة الخيمة) لمؤلفه الكاتب والإعلامي الليبي مجاهد اليوسفي، مُلقيًا الضوء على ليبيا خلال حكم العقيد معمر القذافي الممتدة لنحو أربعين عامًا (سبتمبر 1969 – فبراير 2011). 

لم تكن ليبيا أوائل الخمسينيات، ومع تباشير استقلالها، سوى دولة فقيرة، لا تملك سوى موقع جغرافي متميز، ساحل يطل على البحر المتوسط بطول يتجاوز 1850 كيلومتر، فضلاً عن قربها البحري من أوربا، ومساحة 1,7 مليون كيلومتر مربع تتشارك بها مع حدود ست دول.

تزامن اكتشاف البترول وبدء التعافي الاقتصادي مع انقلاب القذافي، الذى أخذ على عاتقه وحده رسم مستقبلها. كان مُولعًا بالشهرة فصال وجال حاملاً معه خيمته ومصطحبًا ناقته، ومخلفًا وراءه الخوف؛ عمليات إرهابية، اغتيالات، ميليشيات مسلحة. 

يعلق اليوسفي (... لم يتمكن من فهم الغرب على حقيقته أبداً، لا كعدو ولا كصديق)، ثم يستطرد (.. لم تكن في الجماهيرية مراكز أبحاث ودراسات، ولا مجموعات عمل منظمة، ولا خلايا تفكير، ولا بنية تحتية لتعليم جيد قادر على التعبير عن نفسه بالكوادر والأفكار). وجد القذافي في نفسه وعقله وفكره ونظرياته ما يكفي ليبيا ويثبت دعائم أمنها القومي، ويحافظ على ثرواتها، ويرسم مستقبلها، (... ظل العقيد في مركز الدائرة الذي يرسم النهج الجديد بحذر).

في نفس التوقيت تقريبًا، منتصف الستينيات، كان هناك بلد آسيوي، سنغافورة، بالغ الفقر، بلا موارد؛ لا ماء، لا نفط، لا غاز، ولا حتى تعليم. ضئيل المساحة، أقل من 1% من مساحة ليبيا. لفظتها ماليزيا خارج الاتحاد المشترك، بعد عامين من انضمامها إليه. لتجد نفسها وحيدة وعاجزة. لم يتمالك رئيس وزرائها آنذاك، لى كوان يو، حبس دموعه وهو يخطب في أكثر من مليونى مواطن صبيحة الانفصال. 

كان أمامه أحد طريقين، البكاء على حاله ومطالبة المواطنين بمزيد من الصبر أو العمل سويًا على التطوير. وكعادة التغيير، واجه معارضة شرسة. انشق عليه حزبه فأسس حزب العمل الشعبي. خرج معارضوه فى مظاهرات وشجعوا العاملين على الاعتصام فزار مواقع العمل وشد على أيدى الكادحين فى صمت. فإذا كان أفضلهم عند الله أتقاهم، فإن أفضلهم للدولة أحسنهم عملا. لعبوا بورقة الأعراق فى بلد يتكون من خليط صيني ومالاوي وهندي وآسيوي فألغى الامتيازات الطائفية واعتمد الإنجليزية لغة رسمية وألقي بثقله على التعليم. 

تحرك فى كافة الاتجاهات؛ علاقات خارجية، نقل خبرات الدول المتقدمة، تأسيس بيئة ديمقراطية نزيهة، إنشاء مؤسسات تجذب الاستثمارات الأجنبية، مستفيدًا من موقع يصعب تجاوزه على خطوط الملاحة البحرية الدولية، فازدهرت صناعة البتروكيماويات والإليكترونيات ومصافى تكرير النفط، ولتصبح سنغافورة فى غضون أعوام قليلة أهم ثالث مركز تجاري بعد نيويورك ولندن.  

وبينما كان العقيد مهمومًا بنشر نظرياته في أرجاء العالم، كان كوان يو يقفز بسنغافورة في الاتجاهات الأربعة ويمتلك بقوته الناعمة مساحات لا حدود لها. وفي الوقت الذى كانت فيه خطابات العقيد وتعليقاته الطفولية محل تعليق وتندر، يخلط فيها الشرق بالغرب، والاشتراكية بالإمبريالية، والاستعمار بقوي التحرر، كان كوان يو يخاطب شعبه بلغات أربعة حتى يفهمونه. وفي الوقت الذى لم يتجاوز فيه إجمالي الناتج المحلي في ليبيا المائتي مليار دولار، بفضل مبيعات النفط، تجاوزت سنغافورة الثلاثمائة مليار دولار، بفضل عقول ابنائها.

الدول نتاج الأفكار. أفكار قادتها المتفاعلة إيجابيًا مع إبداعات قوتها الناعمة في مناخ شفاف متوازن قادر على مواجهة التحديات. بيئة صحية تنبت فيها بذور الأفكار الطيبة لتصبح أشجارًا باسقة، وحدائق غَنْاء، بهجة للناظرين ومستقرًا لأبنائها.


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved