آخبار عاجل

الصين.. الشريك الهادئ.. بقلم/أمل إبراهيم

12 - 06 - 2025 12:59 8

في الوقت الذي تتغير فيه موازين القوى الدولية، وتتعقد فيه خريطة المصالح والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، تبرز الصين كلاعب عالمي يتقدم بثبات، ولكن بهدوء. فبينما اعتادت المنطقة على النفوذ الغربي المباشر والصدامي أحيانًا، تقدم الصين نموذجًا مختلفًا في بناء علاقاتها، قائمًا على الاقتصاد والشراكة طويلة الأمد، بعيدًا عن التدخل السياسي أو العسكري. في هذا السياق، باتت الصين تُعرف بـ"الشريك الهادئ" لدول الشرق الأوسط، وهو توصيف يعكس طبيعة دورها المتنامي والمتوازن في آنٍ معًا.

المصالح الصينية في الشرق الأوسط

لم تكن علاقات الصين بالشرق الأوسط وليدة اللحظة، لكنها شهدت تطورًا نوعيًا خلال العقدين الماضيين، خصوصًا بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، والتي جعلت من المنطقة نقطة ارتكاز استراتيجية. وتكمن المصالح الصينية في الشرق الأوسط في عدة محاور أساسية:

1. أمن الطاقة: تستورد الصين أكثر من نصف احتياجاتها من النفط من دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، الإمارات، والكويت. كما تُعد إيران والعراق مصدرين مهمين رغم العقوبات والتقلبات السياسية.


2. الاستثمارات والتجارة: أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لعدد من دول المنطقة، وتضاعفت استثماراتها في مشاريع البنية التحتية، الطاقة، والتكنولوجيا.


3. الموقع الجغرافي: يشكل الشرق الأوسط جسرًا بريًا وبحريًا بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهو ما يجعله محورًا حيويًا في مشروع الصين لربط الأسواق عبر طريق الحرير الجديد.


ملامح "الشراكة الهادئة"

الصين لا تُظهر طموحاتها الجيوسياسية بالأسلوب التقليدي، بل تعتمد سياسة ناعمة ترتكز على التعاون الاقتصادي والاحترام المتبادل، وهو ما جعلها تحظى بقبول نسبي لدى مختلف الأطراف المتنازعة في المنطقة. ويمكن رصد أهم ملامح هذه الشراكة فيما يلي:

1. الحياد الإيجابي: تتعامل الصين مع مختلف الدول بصيغة "عدم الانحياز"، وتحافظ على علاقات متوازنة مع قوى متخاصمة مثل السعودية وإيران، أو إسرائيل والفلسطينيين.


2. الدور الدبلوماسي: في مارس 2023، لعبت بكين دور الوسيط في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهو إنجاز دبلوماسي أعاد تسليط الضوء على قدرتها على تهدئة التوترات دون فرض أجندات.


3. التوسع الاقتصادي بصمت: تستثمر الصين بشكل استراتيجي في موانئ، مناطق اقتصادية، ومشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل مشروع "العلمين الجديدة" في مصر، ومشاريع الطاقة المتجددة في الإمارات والسعودية.


مقاربة مختلفة عن القوى الغربية

بعكس القوى الغربية التي تمزج بين الاقتصاد والسياسة وربما التدخل العسكري، تلتزم الصين بمبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، وهو ما يجعلها شريكًا مفضلًا في أعين بعض الأنظمة التي تخشى الضغط السياسي. كما أنها تطرح نفسها كبديل غير استعماري، يعتمد على الشراكة لا على الوصاية.

ومع أن هذا النهج يُكسبها حظوة سياسية، إلا أنه يحمل في طياته بعض التحديات، مثل:

القدرة المحدودة على التأثير في النزاعات الكبرى.

ضعف الثقة الاستراتيجية في بعض الملفات الأمنية.

حساسية التوازنات الإقليمية وتعقيدها المستمر.

تحديات مستقبلية

رغم النجاحات التي حققتها الصين حتى الآن في تعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، فإن مسارها ليس خاليًا من التحديات:

المنافسة مع الولايات المتحدة: تزايد الحضور الصيني في مجالات حيوية (مثل الاتصالات والطاقة) يثير قلق واشنطن، ويدفعها لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة.

المخاطر الأمنية: مشاريع الصين في دول مثل العراق، سوريا، ولبنان تواجه مخاطر ناتجة عن ضعف الاستقرار السياسي والأمني.

الانتقادات الدولية: لا تزال هناك مخاوف دولية بشأن الشفافية، وحقوق الإنسان، ونفوذ الصين التكنولوجي، وهي مسائل قد تؤثر على صورتها في بعض الأوساط.

تثبت الصين يومًا بعد يوم أنها تعرف كيف تدخل الساحة العالمية بهدوء، ولكن بفعالية. فهي لا تسعى للهيمنة السريعة، بل تبني حضورها عبر الزمن، مستفيدة من الاقتصاد، والدبلوماسية الهادئة، وتجنّب الصدام. وفي الشرق الأوسط، يبدو أنها وجدت بيئة خصبة لهذا النهج. إنها ليست قوة تحاول فرض نفسها، بل شريك يمدّ يده على قاعدة المصالح المشتركة، دون ضجيج. ولهذا تستحق وصف "الشريك الهادئ" بامتياز.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved